أمد/
الجميع يتحدث عن اليوم التالي في غزة بعد الحرب، وتطرح الافكار التي تناسب تل ابيب، لكن لا احد يتحدث عن اليوم التالي في اسرائيل بعد الحرب، وهو السؤال المهم الذي لابد من طرحه في هذه المرحلة، لان مآلات "طوفان الاقصى" سيكون له الكثير من التبعات التي يجب ان تؤخذ بالاعتبار والبناء عليها مستقبلا.
انطلاقا من هذا علينا ان ننظر الى الوقائع المسجلة طوال الثلاثة اشهر الماضية من عمر المواجهات في قطاع غزة والحدود اللبنانية – الفلسطينية، وايضا باب المندب، وماذا تعني على مستقبل الكيان الصهيوني، وهل هناك تغييرات عميقة ستحدث فيه، وما هي النتائج الطويلة المدى على مستقبله، مستقبل المنطقة؟
اولا، ان تكاليف الحرب المباشرة هي عنوان ممكن البناء عليه، فالعجز الحالي سيزيد من الاعباء على المالية الاسرائيلية، حتى لو عوضت من خلال المساعدات الاميركية المباشرة، فرصد واشنطن 14 مليار دولار فورا لاسرائيل، عند بدء المواجهات يمكن القول انها تبخرت في خلال الشهرين الماضيين، وبالتالي هناك حاجة استراتيجية اميركية لمزيد من الدعم، الا انها لا تكفي مهما بلغت، لان ما يعيشه الكيان من ازمة حاليا كأنه اشبه بدلو مثقوب.
الخسائر المالية والاقتصادية
وفقا لتقارير البنك المركزي الاسرائيلي فان تكلفة الحرب اليومية هي 270 مليون دولار، ومع استمراريتها فان التكلفة ستزيد، لان المواجهات اصبحت اكثر تعقيدا مما كان يعتقده قادة العدو، بالتالي باتوا هم اقرب الى فخ متعدد الشراك، لهذا فان الخسائر المعلن عنها حاليا، وهي 52 مليار دولار، ستكون عند انتهاء الحرب اكثر، ما يعني زيادة العجز، وصعوبة تعويضه، بسبب التغيرات الاقتصادية المحلية اولا، وثانيا: عدم القدرة على تعويض الفاقد مما كان متوقعا من استثمارات متفق عليها في قبل السابع من اكتوبر/ تشرين الاول الماضي.
لهذا المتوقع وفقا لتقديرات واقعية ان يدخل الاقتصاد الاسرائيلي انكماشا في السنوات الاربع المقبلة، وان يكون النمو بحدود واحدة في المئة، وان ينخفض الناتج القومي من 520 مليارا العام الماضي الى ما دون 450 مليارا، وان يستمر بالانخفاض طوال تلك السنوات حتى يصل الى ما دون الاربعمئة مليار.
الهجرة العكسية
هذا العجز بدأت تضغط عليه الهجرة العكسية، فمنذ السابع من اكتوبر الماضي وصل عدد المهاجرين الى الخارج للاقامة الدائمة في الخارج ما يزيد من 600 الف مستعمر، ومنذ بدء المناوشات السياسية في الكيان، بعد الاحتجاجات على ما يسمى الاصلاحات القضائية، كان هناك نحو 1600 يهودي يغادر الكيان اسبوعيا، وهو من ابناء او احفاد ما يسمى "المؤسسون"، فيما ايضا غادر المهاجرون الجدد بنسبة اكبر، حتى بلغت الحصيلة 1800 يهوديا اسبوعيا.
اليوم ووفقا للتقارير فقد ارتفعت نسبة طالبي اللجوء من اسرائيل الى البرتغال نحو 68 في المئة، فيما ارتفعت نسبة طالبي الجنسية الفرنسية نحو 13 في المئة، بينما بلغت في المانيا وبولندا عشرة في المئة.
مجتمع مرتزقة
لا شك ان الهجرة العكسية تؤثر على المجتمع بعامة، خصوصا انه متعدد الثقافات، وينقل عن الروائي الاسرائيلي، من اصل عراقي، سامي ميخائيل قوله في احدى المقابلات الصحافية: "عندما اكون في المنزل اتحدث مع امي، واولادي وعائلتي بالعربية، واللهجة العراقية، وليس باليدشية(العبرية العامية)"، وهو ما ينطبق على جميع المهاجرين اليهود، فالروس يتحدثون لغتهم، والبولنديون، الالمان وغيرهم ايضا، هذا يعني ان المجتمع ليس متعدد الثقافات فقط، بل ايضا لا يجمعه الا الايمان بـ"الدولة الامنة التي وتوفر الرعاية لكل مواطنيها"، واذا لم تتوفر اي من الشروط تلك، يفقد "المواطن" شعوره بالانتماء.
لهذا اعتبر المجتمع الاسرائيلي عبارة عن "تجمع مرتزقة"، ولقد ظهر ذلك جليا في الاسرى المدنيين الذين اسرتهم المقاومة الفلسطينية في السابع من اكتوبر الماضي، وكيف طالبت الدول بمواطنيها مزدوجي الجنسية، وبالتالي فإن مصطلح "وحدة المجتمع الوطنية" اصيبت بعطب لا يمكن معالجته في المدى البعيد، لهذا فإن الهجرة العكسية ستترك اثارها الاقتصادية والديموغرافية والعسكرية على اسرائيل في السنوات المقبلة، وهذا ايضا مسمار في نعشها.
التغير الديموغرافي بعد اكتوبر
في جانب اخر، حين يتحدث سكان المستعمرات في شمال فلسطين، وحدود غزة انهم لن يعودوا الا بعد القضاء على المقاومة في لبنان وقطاع غزة، بل الكثير منهم اعلنوا انهم بدأوا حياة جديدة في اماكن اقامتهم حاليا، اي عدم العودة، فإن ذلك يعني وفق الحسابات الواقعية لموازين العسكر ابادة سكان جنوب لبنان، وليست المطالبة بتنفيذ القرار 1701 الا عنوان مخادع، لان المقاومة هي من اهل المنطقة، وليست جيشا يمكن سحبه بعيدا عن الحدود، وكذلك الامر بالنسبة لسكان قطاع غزة، ولهذا فان تصريحات بعض الوزراء الاسرائيلي، والحديث عن الهجرة الطوعية للفلسطينيين من القطاع تنم عن عجز اسرئيلي في معالجة المطلب الذي وجد من اجله هذا الكيان، وهو القوة العسكرية التي توفر الامن، وبهذا صدقت المقولة التاريخية "ان اسرائيل وجدت من جيش، وليس جيشا لحمايتها".
الحرب الاهلية
يضاف الى هذا ان الحديث عن حرب اهلية داخلية تصاعد في الاونة الاخيرة، ومع عسكرة المجتمع اكثر واكثر، لا سيما ان طلبات الحصول على الاسلحة الفردية من مستعمري الضفة الغربية وصل الى ربع مليون، وان هناك مليون و600 الف يهودي مسلح في عموم اسرائيل، ومع المشكلات الاجتماعية الضاغطة على السكان، وصراع عصابات ومافيات الجنائي، فإن التفكك الاجتماعي اصبح اكثر مما كان، وهذا يعني ان ما جرى في السابع من الكتوبر الماضي، ومع استمرار العجز العسكري الاسرائيلي عن تحقيق اي هدف من الاهداف التي وضعتها حكومة الحرب، ستكون له عواقب وخيمة على المدى القريب، اقلها رحيل حكومة نتنياهو، فيما سيتغير المشهد الاسرائيلي الى الابد.
في 28 اكتوبر قال المتحدث العسكري باسم كتائب "القسام" ان : "زمن انكسار الصهيونية قد بدأ"، فهل صدق بقوله هذا؟