مصطفى مُنِيغْ
أمد/ لاَ ولَنْ نمدح أو نُحاكم أحداً على الإطلاق ، فقط نُعبِّر عن ارتياحنا والجزائر تستبدل جلبابها المرقَّع كان بآخر جديد لبسته قبل الانطلاق ، قماشه منسوج بعزة ومفصَّل قياسه بكرامة يرمز للثراء وليس الإملاق ، فريد من نوعه لا وجود لشبيهه مهما كانت الدول – الأسواق ، عارضة للمنجزات وأصناف عالمية من الأرزاق ، جلباب تلائمه عمامة مطرَّزة بماضي كفاح يجلب لذِكْراه الراغبين قي تحرير بلدانهم بما تركه للأمجاد خَلاق ، ماضي لم يستطع الاحتلال الفرنسي لمدة قرن أن يُلوّثَ أصالته إذ بقي على عهده وقهر المحتل حيث ساقه الانزلاق ، في جرم صنيعه مجرور من قفاه لحجرة الاستنطاق ، في ضيافة التاريخ الإنساني المتحدث بالكلمات المقروءة بكل لعات العالم عن ملحمة الجزائر الخالدة التي أودت بحياة المليون ونصف المليون من الشهداء الأبرار مُحقِّقة معجزة الاستقلال ، بعدما كانت فرنسا قد ضمتها ولاية تابعة لباريس كإجراء دائم يدخل في إطار سيادة ترابية ليس لأحد القدرة على تغييرها .
… تمنينا أن تكون الجزائر دولة جاعلة من إفريقيا عالماَ مستقلاً فارضاً قيمه القيِّمة كقوة اقتصادية ، كل دولة داخله لها ما يربو عن حاجاتها لضمان حرية أخذ قرارها ونبذها بلا هوادة أي شكل من أشكال التبعيّةَ غير المتكافئة ، تلك المتورطة تكون دوماً لخدمة ظالم يسعى لتوسيع ظلمه فيتوسط للهيمنة والاستغلال وحصاد المزرؤع من طرف سواه بلا تعب أو عناء . مهيَّأة الآن لملء مكانتها بالحُسنَى والسياسة المدروسة المانحة كل ذي حق حقه بغير ميل لعصبية أو تزكية خطأ مُرتكب ممَّن كلفوا الجزائر ما لا يُطاق ، سياسة واضعة صوب مواقفها طموحات الأطراف الأخرى المشروعة للتقدم والازدهار ، إذ الإنسان هو الإنسان ، فوق الضروريات إن استطاع شرعاً وقانوناً إدراكه على الصعيد الدولي وجد من يسانده ولو بالكلمة الطيبة كأضعف الإيمان ، مُبعداً الحسد من قاموس اندفاعه ليتفرَّد ، ودون أن يشعر يجد نفسه صرف ما كان الأجدر صرفه على مصالح من يشاركوه الوطن وهم بالملايين .
… المؤشر واضح أمامنا ينبِّه بحصول تغيير جذري والرئيس الجزائري يخاطب رئيس روسيا الاتحادية وجهاً لوجه وحرفياً بقوله : “علينا بِعَدَمِ مزج التجارة بالسياسة ” قد تكون في المواد الضرورية لاستمرار الحياة في وقت قد تصل فيه السياسة لنزع سبل ومقومات نفس الحياة ، طبعاً لبّ الكلام موجه للولايات المتحدة الأمريكية الفارضة حصاراً على روسيا بما يطال بيع الحبوب ، لكن عمومية الفهم ولجت عقول سكان المعمور ، لتُستقبل مثل القناعة برَصْدٍ جديٍّ واسع الاهتمام لتصرُّف الدولة الجزائرية في هذا الصدد ، الرئيس بوتين لم يفوِّت الفرصة دون إعلان موافقة روسيا الاتحادية على تحمل الجزائر وساطة إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية ، وفي العملية تلميح لَطِيف لتحالف له أبعاده ، يربط الجزائر بروسيا الاتحادية بدرجة تقلق حكام البيت الأبيض وتصعِّد من وتيرة البحث السريّ عن مشاكل تسلطها على هذه الدولة الإفريقية التي لا يهمها الضغط الأمريكي حينما يتعلق الأمر بسيادة أي دولة تحترم نفسها وتشق طريقها بكيفية سليمة .
الشجاعة تقتضي التفكير في الأقصى قبل إقحام ما تتضمنه من جرأة البدء مهما كان التحدي غير مشبع بالكافي من المعلومات المفروض الحصول عليها كأنجع سلاح ، وهذا ما ذهبت إليه الجزائر الجديدة بمقتضى تخطيطات مجزأة على مراحل أولها إعادة ثقة الشعب بمن يتدبرون أمره ، ثانيها توزيع مستحقات مالية لضمان توفير القدرة الشرائية بصفة عامة وثالثتها الوقوف على إمكانيات المسؤولين السامين في التأثير المباشر لضبط مناصري الجزائر خارج الحدود ليكون التعاون فيما بينها نابع عن تقارب في التوجهات التي تصب في جعل الشعوب الحاكمة الفعلية للأوطان وليس “قلة” من المحظوظين يستغلون مناصبهم المتقدمة لإحكام وجودهم ككلمة أخيرة تمنع أو ترخص ، للأسف تُرِكَت الدولة الجزائرية لفراغ من أي قيادة في مستوى تدبير الشأن العام وتوفير ما من شأنه الحفاظ ولو في الأدنى على ما يُقدِّم ويُطوِّر ويتناسب مع تغيُّر الأحوال الدولية وفق متطلبات مفروضة على كل ناشد الاستمرارية بدل التوقف فالجمود ، بدايته انتهاء عهد الراحل الهواري بومدين الذي كان بمثابة الميلاد الأول لجزائر حرة مستقلة وكان لي الشرف في إطار تخصصي المشاركة في دعم جانب من جوانبها كما استرجع الآونة ما تضمنه المسلسل الذي الفته لفائدة الإذاعة والتلفزة الجزائرية بحكم عملي فيها كمنتج ، تحت عنوان “السنبلة الحمراء ” ، وأنا أقرا ما جاءت به حلقاته أتذكر هؤلاء العظماء وقد جمعنا حب الجزائر والتفاني في إبراز محاسنها ، ومنهم عبد الرحمان شريط وكاتب ياسين والشيخ الدحاوي وأحمد بلعواد والتونسي الكيتاري والسوري تيسير عقله والقائمة طويلة ، ونهاية ذاك الفراغ ما تحياه الجزائر حاليا من ميلاد ثاني يُرجى منه تحقيق ما يطمح اليه الشعب الجزائري العظيم من مكانة مشرفة أولها في إفريقيا وبعدها في العالم .