معاذ خلف
أمد/ بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، و دخول عصر القوميات ، والثورات العربية التي بدأت بثورة جمال عبد الناصر 23 يوليو 1952 التي أسقطت النظام الملكي ، ثم توالي الثورات العربية القومية في اقطار عربية اخرى ، حاول الزعماء بناء وطن عربي مستقل خال من الإستقطابات الخارجية مثل تكتل دول عدم الانحياز و منظمة الوحدة الافريقية ، لكي يصبح الوطن العربي سيد قراره ، وكان طرح الوحدة العربية هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين ، ولكن تآمر الغرب على كل محاولات الوحدة العربية وتراجع فكر تحرير فلسطين وتحول الانظمة العربية من النظام القومي الوحدوي ال الدولة القطرية التي فرضت عليها عوامل الصراع لتفاهمات او اتفاقيات احادية مع ما يسمى دولة اسرائيل، و تكرست الاستقطابات في وطننا العربي حتى أصبح مُصادر القرار ، منزوع الإرادة ، مسير وفق رغبة أشخاص يملكون أجندات من الخارج ، ولأجل مصلحة الخارج .
بعد احتلال فلسطين عام 1948 بدأت الإستقطابات في الوطن العربي من أجل اسرائيل و الغرب و لترسيخ فكرة وجود اسرائيل في المنطقة ، و كانت في السابق تلك الأصوات في عهد القوميات العربية نشاز عن الاجماع العربي غير أنه و مع تقدم الزمن كانت تقل وطئة كارثية التبعية و العمالة للغرب عموما حتى أصبح في يومنا هذا الطبيعي هو السير مع النهج الامريكي و ترسيخ فكرة وجود اسرائيل في المنطقة و النشاز هو مناهضة تلك الفكرة او محاربتها .
***
بعد الثورة الإيرانية في طهران يناير 1978 تحول الموقف الايراني من مؤيد بشدة لسياسات واشنطن و الوجود الإسرائيلي في المنطقة ، الى مناهض و ساعي للخلاص والقضاء على الكيان المحتل ، و هذا الموقف لم يكن يوما حبا في العرب او الفلسطينيين ، بل لأن وجود اسرائيل كفكرة في المنطقة يوقف تمدد الثورة الاسلامية الايرانية و يمنع تصديرها الى دول المنطقة ، و من هنا بدأت حرب الإستقطابات بين إيران و إسرائيل على الأراضي العربية وبدأت الصراعات تنشأ بين الغرب و ايران بأموال وضحايا و دماء عربية !
بعد سقوط نظام صدام حسين في العراق 2003 نتيجة الغزو الامريكي عمت الفوضى العراق واصبحت أرضا خصبة للإستقطابات ، فقد كان لإيران نصيب الأسد نتيجة وجود الشيعة بكثرة على أراضي العراق اما الطرف الأخر والمناقض تماما للنفوذ الإيراني هو التبعية والولاء لأمريكا و التي تسيطر على أغلب سكان العراق من الطائفة السنية ، و هكذا سقط القرار العراقي و سقطت العراق في نزاعات و حروب بالوكالة منذ سقوط نظام صدام حسين و حتى يومنا هذا ال آجل لا يعلمه الا الله .
ذات النموذج العراقي طبق بحذافيره في اليمن فالحوثيون هم الطائفة الشيعية ، و الحكومة الشرعية هم السنة ، و هكذا سقط القرار اليمني و سقط اليمن !
ولبنان ايضا كان له نصيب من حرب الاستقطابات فحزب الله تابع للجمهورية الإسلامية و باقي لبنان بمسيحييه و اهل السنة من المسلمين لم يخلوا من الاستقطاب لصالح أمريكا و أعوانها .
جميع الساحات السابقة سواءا العراق او اليمن او لبنان ارغمت بفعل الرابط الايديلوجي من قبل ايران لمحاربة النفوذ الامريكي الصهيوني في المنطقة و من هنا نشأ اكبر صراع نفوذ في المنطقة وللأسف العرب هم مجرد أحجار على رقعة الشنطرنج ، هم ادوات جيرت لخدمة الغرب من جهة و إيران من جهة اخرى .
***
بعد سقوط الخلافة العثمانية 1924 اتخذت تركيا بقيادة اتاتورك نهج علماني و قد تخلصت من جميع الأعباء الزائدة في المنطقة ، و أصبحت سياساتها تتجه نحو اوروبا و الغرب و بطبيعة الحال فهي حسمت وجهتها في حرب الاستقطابات نحو الغرب و أمريكا حتى أصبحت اليوم أكبر مساهم في حلف شمال الأطلسي الناتو ، ولكن بعد تولي اردوغان الرئاسة التركية 2014 تغيرت وجهة تركيا التي كانت محسومة لصالح الغرب نحو الوطن العربي من جديد ، فقد أصبحت تركيا تقاتل من اجل استعادة نفوذها في المنطقة من أجل مصلحة الغرب ايضا ولكن بواجهة تركية .
لم تجد تركيا حصان طروادة تغزو به المنطقة و تدخل في حرب الاستقطابات سوى تنظيم الاخوان المسلمون ، فهو تنظيم قوي منتشر في معظم الأقطار العربية ، والسيطرة عليه يعد اختراق مباشر للقرار العربي ، وقد حدث .
في ثورات ما سمي زورا وبهتانا الربيع العربي انتصرت الثورات المسمومة بدعم غربي مباشر عل الانظمة الحاكمة في كل من تونس و ليبيا و مصر وسوريا غير أن الغرب لم يجد في تلك الدول قائد لتلك الثورات سوى تنظيم الاخوان المسلمون التي ترعاه تركيا ، و من هنا نشأ صراع بالوكالة بين الأنظمة الحاكمة في تلك الدول و تركيا التي تتبع بطبيعة الحال الغرب ، فسقطت ليبيا و سقط القرار الليبي ، وسقطت سوريا وسقط القرار السوري ، وتونس مازالت تترنح ، اما مصر فقد أنقذها جيشها في ثورة غير مسبوقة عام 2013 و حتى بعد هذه الثورة لازالت تحارب بكل الوسائل من أجل ان تتحول الى دولة فاشلة كباقي الدول .
دول الربيع العربي خضعت للفوضى من اجل عمل استقطابات جديدة وخضوعها كليا للغرب ، تونس بعد ان كان قرارها مستقل اريد لها ان ترتمي كليا في احضان الغرب ، ليبيا بعد ان كانت سدا منيعا امام الغرب ومخططاته اصبحت دولة فاشلة بالكاد يمثلها اراجوزات يتبعون للغرب ، مصر لازالت تتحسس طريقها و اخضعت بقوة للغرب نتيجة الحاجة الاقتصادية ، سوريا تحولت الى دولة فاشلة تتقاتل على ارضها امريكا وتركيا من جهة و روسيا من جهة اخرى .
***
اما الخليج العربي فلم تصل اليه بعد استقطابات ايران ، و قد حسم أمره لصالح امريكا ، و امريكا من مصلحتها حماية تلك الدول لأنها تدر عليها اموالا طائلة ، يعني بإختصار مواردكم الطبيعية من غاز و نفط و خلافه مقابل استقراركم .
“بين اسرائيل و ايران و تركيا اغتصب القرار العربي ونشأت حروب بالوكالة بدماء واموال العرب .. وهكذا ضاع القرار العربي و ضاع العرب ” .
“و النتاج النهائي و أمام المتغيرات التي حدثت في اواخر القرن العشرين وامتداداتها في القرن الواحد وعشرين اعتقد اننا بحاجة منظومة امن قومي عربي اقتصادية وسياسية وتعليمية وعسكرية امام القوى الاقليمية الصاعدة في المنطقة للحفاظ عل الجغرافيا الوطنية والقومية والسيادية للأمة العربية.”