د. سامي خاطر
أمد/ تقول عرب الأمس لا يلدغ المرء من جحر مرتين، أما عرب اليوم فيعتبرون مقولة عرب الأمس هؤلاء من الجاهلية ولا يجوز الاقتداء بها، وما لم يمت المرء من اللدغ فعليه الاستمرار حتى ينفق دليل للوجود.
يعيش ملالي إيران تحولاً ملحوظاً من سياسة اللؤم والضرب تحت الحزام إلى سياسة المجاهرة واللعب على المكشوف؛ فبعد عقودٍ من التخفي وراء واجهات
دينية ودبلوماسية اتخذ النظام الإيراني خطوات أكثر وضوحاً لفرض نفوذه في
المنطقة، وهو ما يمثل تحدياً كبيراً للدول العربية والمجتمع الدولي، والحقيقة هي أن تدخلات نظام الملالي الحاكم في إيران في فلسطين بشكل مباشر قد باتت نهاراً جهاراً وبمباركة غربية، ولم يسبق أن تعاطى النظام الإيراني بهذه المباشرة العلنية والوضوح بعد أن قسم فلسطين إلى قسمين القسم الأول فلسطين الضفة التي يرفضها منذ أن تولى خميني زمام السلطة في إيران بعد سرقة الثورة الوطنية الإيرانية وتسميتها بـ الثورة الإسلامية..
والقسم الثاني فلسطين غزة التي يرعاها كهنة إيران من أجل القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وحركة فتح الرافضين لتدخلات ملالي إيران في الشأن الفلسطيني، وقد أصدرت حركة فتح مؤخراً بياناً بهذا الصدد نددت بتدخلات الملالي ووصفتها بأنها تخدم الاحتلال الإسرائيلي، وقد سبق لحركة فتح أن أكدت على الثبات على الخط الوطني الفلسطيني خط الزعيم العربي ياسر عرفات من خلال السلطة الفلسطينية.
نتيجة لسياسة الرضوخ العربية أمام كهنة إيران فقد بلغ تدخل الكهنة بالشأن
الفلسطيني مبلغاً لم يعد بالإمكان التصدي له من قبل السلطة الفلسطينية بمفردها بل يتطلب تدخلاَ عربياً سريعاً وحازماً من خلال الجامعة العربية؛ ففرض الملالي لأطراف بعينها بقوة المال والسلاح وإثارة الفتن والحروب لإعادة هيكلة الأوضاع السياسية في فلسطين، وجعل قطاع غزة محوراً للقضية الفلسطينية، وتهميش دور السلطة الفلسطينية وتجاهل ما يحدث من معاناة وكوارث لأهالي الضفة والقدس المحتلة بات من الواضح أنه مخطط يهدف إلى القضاء على السلطة والمظلة الشرعية الفلسطينية وتمكين الموالين للملالي من الأوضاع في فلسطين الأمر الذي سيعود بالدمار على الشعب الفلسطيني.
من رعاية التطبيع إلى رعاية المفاوضات السرية لمن الغلبة اليوم بعد رعاية التطبيع التي دفع العرب ثمنها بدون مقابل، والمفاوضات الأمريكية الإيرانية السرية في سلطنة عمان وكلاهما أدى إلى نحو انفراج لصالح النظام الإيراني؛ وقد تلى المفاوضات الأخيرة تسهيلات مالية واقتصادية لصالح هذا النظام.. ثم خروج أحد مسؤولي النظام بالقول بأن النظام يجب أن يكون شريكاً أساسياً في أي مفاوضات بشأن غزة.. تلى ذلك زيارة قادة حماس والجهاد لطهران وتفضيل الملالي لحماس على الجهاد، وجديرٌ بالذكر أن هناك بعض المؤشرات التي تدعم هذا الواقع، ومن بينها التقارب بين ملالي إيران وحماس بالسنوات الأخيرة وتقديم الدعم الكامل لها، وتؤكد تصريحات قادة حماس أيضاً على دعمهم لملالي إيران، ولكن من المؤكد أن المفاوضات الأمريكية الإيرانية السرية في سلطنة عمان قد تؤدي إلى تغييرٍ كبيرٍ معززٍ للعلاقات بين الملالي وحماس يكون لها تأثيراً سلبياً على القضية الفلسطينية والمنطقة لكنها ستعزز من أوضاع حماس وحلفها وسلطات الاحتلال في نفس الوقت.
هل سيرسم كهنة إيران مصير القضية الفلسطينية بالتوافق مع الغرب؟
استنادا لما جرى ويجري في المنطقة بمباركة غربية ووفقاً لنهج الاسترضاء
والمهادنة الذي يتبعه الغرب والإدارة الأمريكية مع الملالي هل سيرحب الغرب والأمريكان بفرض الفصائل الفلسطينية الموالية لطهران كبديل لمنظمة التحرير كمخرج أو لكسب المزيد من الوقت أو كورقة سياسية جديدة يمكن ترويضها من خلال النظام الإيراني؟ يثير النقاش حول ما إذا كان الغرب سيُرحب بفرض الفصائل الفلسطينية الموالية لطهران الكثير من التساؤلات؛ فمن ناحية يُعتبر تحالف هذه الفصائل مع ملالي إيران في واقع الأمر بمثابة تهديدٍ مباشرٍ لمصالح الغرب في المنطقة خاصة في ظل استهتار نظام الملالي بالقوانين والأعراف والقيم الدولية وسعيه لأن يكون قوة نووية إقليمية يمكن لها أن تنقلب على الغرب المتوافق معها والداعم لها، ومن ناحية أخرى فإن بعض الآراء ترى الغرب والاحتلال الصهيوني وملالي إيران يتفقون من حيث المبدأ على عدم إقامة دولة فلسطينية وبالتالي الإبقاء على الأوضاع على ما هي عليها لصالح المُحتل الإسرائيلي، وهنا يعد دعم الملالي للفصائل الفلسطينية الموالية لهم أمر يُرحب بها الغرب وحلفهم حيث يؤدي إلى تحقيق الأهداف المرجوة.. وتبقى الضحية هنا هي فلسطين وشعبها المنكوب.
ختاماً يمكننا القول بأن موقف الغرب يرتكز على أمرين الأول قضية الطاقة والنقل، والثاني حماية المشروع الصهيوني بالمنطقة كضمان لحفظ المصالح
وتنفيذ المخططات.