صالح عوض
أمد/ تسلل مسيرات صهيونية الى سماء أصفهان ليس أكثر من محاولة يائسة في محاولة رد الاعتبار.. انه الرعب الذي تغلغل الى أعماق الخطاب الصهيوني والفعل الصهيوني -عقب قصف القنصلية الإيرانية في دمشق في الأول من ابريل الحالي- قد بلغ مداه ولا زالت مفاعيله تبرز في القول والفعل الصهيونيين، ولم يكن الرد الإيراني إلا تعميقا لهذا الرعب وجاءت المحاولة الصهيونية للرد مثيرة للسخرية فاتحة الباب أمام الرهاب الذي يتملك مفاصل الكيان.. فعبارة التهديد الوجودي أصبحت الصيغة البارزة في الخطاب الصهيوني، أمام غزة يصرخون ان هناك خطر وجودي، وإزاء الاشتباك الأولي تصرخ قيادات الكيان الصهيوني إن هناك خطر وجودي.. وفي ظل هذا الرعب والقلق يتسلل آلاف الصهاينة هروبا من فلسطين الى كندا وأمريكا وأوربا.. رحيل بلا أسف يسحب إليه أكثر من مليون يهودي والحبل على الجرار.. فهل هو موسم الرحيل؟
الضربة الإيرانية فاصلة بين مرحلتين:
لم تكن الضربة الإيرانية بمئات الصواريخ والمسيرات في 14 ابريل الحالي رأي قائد سياسي أو فقط رد فعل آني..لقد كان إجماعا إيرانيا من قبل كل التوجهات في إيران الإصلاحيون والمحافظون سواء بل الإسلاميون والقوميون في نفس الخندق فالمسألة لها علاقة بكل الشأن الإيراني، وهي عملية كان لابد منها لتثبيت النفوذ الإيراني في غرب آسيا.. وكما سبق لأحد البارزين في المشهد السياسي الإيراني أكد ان سورية بالنسبة لإيران أكثر أهمية من إقليم الأحواز كما جاء على لسان” أية الله مهدي طائب” الذي يرأس مركز عمّار الاستراتيجي لمكافحة الحرب الناعمة الموجهة ضد إيران: “لو خسرنا سوريا لا يمكن أن نحتفظ بطهران، ولكن لو خسرنا إقليم خوزستان (الأحواز) سنستعيده ما دمنا نحتفظ بسوريا”… وهنا تبدو الأمور أكثر من كونها عملية تأييد للنظام السوري لأن إيران ترى أن الابتعاد عن حدود الاشتباك مع الكيان الصهيوني إنما هو موت لمشروع الثورة الإسلامية الذي يقوم على تفريغ المنطقة من التدخلات الأجنبية وقواعد الاستعمار الغربي.. كما أنه يفقدها الحضور الفاعل في دعم حلفائها في لبنان واليمن وفلسطين فليس من العقل إغفال التدبر لما قامت به ايران في المنطقة من تأهيل للمقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية والعراقية بالسلاح والتدريب والمال وبإشراف حيوي من قبل المستشارين العسكريين الإيرانيين المباشرين، ولقد كانت السنوات على مدار ربع قرن الأخير هي سنوات البناء لهذا المثلث لاسيما في فلسطين.. الأمر الذي أعلنه قادة حماس والقسام بكل وضوح وهنا كان من الضروري أن ترد إيران على الضربة الصهيونية لقنصليتها في دمشق حيث بلغ الفعل الصهيوني أقصى درجاته في ملاحقة الضباط والقادة العسكريين الإيرانيين في حدود فلسطين لصناعة خط ردع لإيران وقد تم اغتيال عشرات القادة والكوادر الإيرانيين في لبنان وسورية.. وهكذا بلغ التهديد الصهيوني مداه وأوغل في محاولة الردع إلا أن إيران المصرة على التواجد في الإقليم وبقوة وجدت نفسها مضطرة إلى تدشين مرحلة جديدة ليست فقط الرد من خلال حلفائها في الإقليم وكان لابد من ضربة إيرانية بقرار إيراني معلن وبعملية على رؤوس الأشهاد تعلن انه لن يكون مسموحا بعد الآن أن تطلق القوات الصهيونية صواريخها مستهدفة المجال الحيوي الإيراني في أي منطقة.. وهنا يمكن الإشارة الى صمت إيران السابق عن الرد على مقتل قادة كثيرين بما فيهم قاسم سليماني وآخرين في سورية ولبنان.. فالأمر في هذه المرة كان على أرض القنصلية الإيرانية بمعنى ان الاستهداف الصهيوني اقترب من عنوان السيادة الإيرانية أي محاولة لإلحاق الأذى في هيبة الدولة الإيرانية ومن هنا كان الرد الإيراني لوضع حد لمجال الفعل الصهيوني.
صحيح لم تكن الضربة الإيرانية في 14 ابريل هي أول الاشتباك مع الكيان الصهيوني إذ أنه ينبغي عدم تجاهل حقيقة أن الفعل اللبناني واليمني والعراقي يتم بدون رضى ودعم وأحيانا قرار إيراني.. وهذا تعرفه قيادة أمريكا والكيان الصهيوني والعالم أجمع إلا أن هذه العملية الإيرانية المعلنة.
لقد أوقعت الضربة الإيرانية في 14 ابريل خسائر مادية عديدة ليس فقط 2.5 مليار دولار التي أعلنت عنها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وخسائر على الأرض لن يتم الإفصاح عنها قبل 30 سنة كما هو الشأن مع الخسائر التي نتجت عن الهجوم العراقي في 1991 وأفرج عن معلومات بخصوصها قبل مدة قصيرة.. إن هناك خسائر عميقة أهمها على الجانب المعنوي والنفسي حيث أصبح الخطر الوجودي بارزا في حياة الأشخاص ومصير الكيان..
الضربة الصهيونية على أصفهان:
في فجر يوم الجمعة تسللت طائرات صغيرة انتحارية الى سماء مدينة أصفهان ورغم أن كثير من المصادر تفيد ان الطائرات لم تنطلق من داخل الأرض الفلسطينية وهنا تشير بعض الأخبار الى أن هذه الطائرات يمكن أن تكون انطلقت من أراض إيرانية او مجاورة لإيران كما تشير اتهامات الى احتمالية تسللها من إقليم كردستان العراقي.. وهنا لابد من الإشارة أن إيران تتعرض منذ سنوات عديدة لاختراقات أمنية بلغت خطورتها لدرجات قاسية وصلت الى حد قتل العلماء والمفكرين الإيرانيين داخل طهران.. بل إن البعض يتحدث عن اختراق امني بارز في عملية قصف القنصلية الإيرانية في دمشق بحيث لم يتم انجاز العملية إلا بعد خروج الدبلوماسيين الإيرانيين من القنصلية.
الرد الصهيوني المثير للهزوء عمل بهلواني يعبر عن رعب عميق يسكن الكيان الصهيوني من احتمال توسع الحرب المباشرة مع ايران وهنا لابد أن نتذكر سنوات مضت كيف كانت قيادات الكيان الصهيوني تعربد مهددة إيران باحتمال قصف المفاعلات النووية الإيرانية بل وضرب كل المجال الحيوي الإيراني وجميعنا يتذكر أن نتنياهو قد أعد للأمر عدته في أكثر من مرحلة لضرب إيران ولكن مع مقارنة ما يتم اليوم من ردود صهيونية على الخطوة الإيرانية المباشرة يعبر بجلاء أن الكيان الصهيوني دخل المأزق التاريخي وهذا ما أكدت عليه وسائل الإعلام الصهيونية التي أفادت انه لو اطلع الجمهور على المداولات التي جرت في حكومة الحرب الصهيونية في ردها على الضربة الإيرانية لكان الرحيل الجماعي قد تم من الكيان الصهيوني.
أكد الإيرانيون أكثر من مرة بعد 7 أكتوبر أن الكيان الصهيوني الغارق في حربه على غزة والعاجز عن تحقيق أي هدف من أهداف الحرب لن يجرؤ على المواجهة مع دولة قوية كبرى لها امتداداتها المحيطة بالكيان والتي لها صواريخ منتشرة في العديد من الدول.. لقد أصبحت هذه قناعة إيرانية راسخة أكد عليها 7 أكتوبر الفلسطيني.. ومن هنا بالضبط كانت الضربة الإيرانية ممتلئة يقينا أن الكيان الصهيوني لا يستطيع ان يقوم برد فعل قوي ومؤثر.
لم يكن فقط صبر استراتيجي من قبل إيران إنما هو مشروع استراتيجي يعتمد على منهج استدراج للكيان الصهيوني لمعركة متواصلة متطورة من خلال حرب استنزاف طويلة تنهك الكيان الصهيوني وتوصل رسالة قوية عميقة لحلفاء الكيان الصهيوني ان استقرار وامن الكيان الصهيوني مكلف كثيرا وان الكيان الصهيوني أصبح بلا فائدة أمنية للمصالح الأمريكية الإستراتجية ومن هنا تأتي الخطوات الإيرانية بنفس طويل وبدون ردات فعل إنما بخطوات محسوبة بحيث تستطيع مواصلة الاستنزاف بعيدا عن استعداء صارخ للعالم.. حيث ان أوربا وأمريكا تبديان جاهزية عليا في الدفاع عن الكيان الصهيوني أمام اي خطر يلوح في الأفق والتغطية على كل جرائمه..
التحول في الخرائط السياسية وتوجهات السياسات الدولية ستكون سمة بارزة في المرحلة القادمة.. برغم ذلك فان بلادة غير مفهومة لصانع القرار الدولي بتجاهل الحق الفلسطيني رغم انه هو أس الصراع في المنطقة وهو سبب مباشر لتهديد المصالح الغربية القائمة.. فغير مفهوم على مستوى الحسابات لماذا يستمر هذا الانحياز الفظ للعدوان الصهيوني على الشعب الفلسطيني والأرض الفلسطينية بل وعلى المحيط العربي؟ رغم أن هذا لا يخدم المصالح الغربية في المنطقة العربية الثرية بثرواتها ويكفي فقط ان نشير أن سعر النفط ارتفع فورا بقيمة 4 بالمائة.. غير مفهوم أن يتواصل هذا الاتجاه العدواني من قبل الإدارات الأمريكية والبريطانية بالتصدي للحق الفلسطيني فيما هي تدرك ان العرب والمسلمين في المنطقة سيقابلون ذلك بالامتعاض والرفض فما هو رهانهم الغبي؟ فمن يحمي مصالحهم ان أغلق مضيق هرمز ومضيق باب المندب.. كيف سيسيرون عجلة اقتصادهم؟ هل يعقل أنهم يحرمون شعب فلسطين من الحياة ويواصلون تزويد الكيان الصهيوني بكل انواع السلاح والفتك لإحداث أبشع جرائم الحرب فيما هم يتنعمون ثروات العرب والمسلمين؟؟ ان غباء فادحا يقيد فهمهم بمراهنتهم على حكام جبناء في المنطقة العربية ليس لهم اي سلطة على الشعوب وأحرارها إذا ثارت.
أصفهان الجميلة عنون الصمود:
في أصفهان البديعة التي أقام معالمها السلاجقة كل شيء كأنه جزء من المشهد العبقري.. هناك تجد أقدم نزل عرفته البشرية يتم تجديده باستمرار فتسرك مناظره ان قدر لك نزولا في أصفهان أما جامع إمام المنبسط في وسط المدينة وتشكيلته المذهلة بهندسة فلسفية غاية في الروعة.. وعلى مخرج المدينة مطاعم ومقاهي أتقنتها اليد الفارسية الماهرة وهناك مجمع مبروكة للحديد والصلب يتمدد على مساحة جغرافية كبيرة تتخللها غابات الأشجار يستوعب أكثر من 35 ألف عامل وينتج ما يكفي أكثر من 70 بالمائة من احتياجات ايران للصفائح وبجانبه مصنع للدهان الراقي الذي ينافس مثيله الألماني.. في أصفهان يجتمع الماضي الحضاري والحاضر الواعد لمستقبل قوي.. ألهذا كان الاستهداف الصهيوني لها؟ ولكن من هنا من أصفهان سيتشكل الوعي الايراني لرؤية أكثر عمقا في حرب استنزاف لإسقاط المشروع الصهيوني.